الأحد، 25 ديسمبر 2011

قصة ( ارسم بالغيم )

أرسم بالغيم..
بيتنا الكبير الواسع, وظلاله الطويلة الباردة صيفا, وشعاعه الدافئ شتاء, فناء بيتنا المترامية أطرافه عبر ناظري بغرفه المتتالية المتراصة, لا تدع للريح فرصة للمرور من بينها, ولا تترك احد يوشي على الآخر ليفرق بينها, ففنائنا قد امتد أمام تلك الغرف, فناء واسع ممتد وقد فرش برمال بحرية لاتساعه وكبره, فنائنا لا يمل من جري الأطفال بين أحضانه, فهو رحيم بهم, فأحجار فنائنا اعتادت أقدام محبيها وهو ينتظر رحمات الأطفال, إنها تعكس شعاع الشمس في وجوههم , لتبث الشغف في نفوس أبطالها لتداعب وجنات تلك الحصيات, فناء بامتداد أبصارنا الذي لاينتهي.

أخطو خطواتي نحو جدار ممتد نحو السماء, قد عانق شعاع الشمس منذ الصباح, اقترب من ذلك الجدار, وقد اسند عليه حصير مصنوع من خوص النخيل, افرشه فوق تلك الحصيات وقد بدا دافئ من شعاع الشمس لمكوثه فترة طويلة بالفناء, رميت به وتدحرج لآخر مداه, بدا بخطوطه الطولية نظيفا لامعا ذهبيا يغري من يراه ليجلس عليه مدة لا باس بها من الزمن, احمل بيدي كتابا دراسيا متوسطا إصبعي في إحدى صفحاته, أضع قدمي على وجه ذلك الحصير يُشعر من يجلس عليه بالدفئ والأنس في جو بارد والشمس تتوسط السماء الزرقاء, وأي زرقة مغرية ساطعة لامعة, ولكن يبدو فيها بين الحين والآخر, غيمات تتراكض وأحيانا تتراقص أمام ناظري وأحيانا أخرى تتماوج, وأنا أضع قدمي الأخرى لا أكاد ارفع عيني عن السماء حتى اهوي جالسا وقد لصقت بؤبؤ عيوني بتلك الغيمات التي تمر سريعا وهي تقدم عرضا عسكريا جميلا, وضعت الكتاب جانبا ورفعت سبابتي اليمنى وشرعت ادقق النظر وأمعن في تلك الغيمات البيضاء الحريرية وأشكلها والريح تحركها وأنا أرسم منها أحلام وطموحات وآمال  بإصبعي وعيني والغيمات تستجيب لي ولا تبتعد عن ناظري حتى تمر غيمة أخرى, اتركها للريح تأخذها بعيدا عني, وأبدا ارسم بالأخرى بشكلها وحجمها الجديد ما تفعله الريح بها, فإصبعي يحرك أجزاء الغيمة, وعيني ترى ما ترسم ونفسي وقلبي ينشرح لما يرى حتى تأتي غيمة أخرى لأرسم لوحة أخرى تعجز الغيمة ما رسمته وتوصلني لأعلى مدى من الآمال والأحلام  قبلها, حتى تشتد الريح فتذهب الغيمة قبل أن أكمل رسم لوحاتي المستقبلية بها فتاتي أخرى فلا يسعفني الوقت لأشكلها فتداهمني أخرى حتى تذهب, ولا تقف وتغدو سريعا فعندها الريح قد اشتدت وتحمل بين ثناياها برودة الشتاء في عز الظهيرة, عندها اقف على قدمي واحمل كتابي وادخل الغرفة لأحتمي من البرد, والشمس في كبد السماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق